الفلبين ليست مجرد دولة جزر وشواطئ وابتسامات؛ بل هي أيضًا أرض مغموسة في الأساطير،
تسكنها حكايات قديمة تُروى في الليل، وتختبئ في الجبال والغابات والأنهار.
في بعض المناطق، لا تزال الأسطورة أقوى من القانون، والخرافة أعمق من العلم،
والعادات أقدم من الزمن نفسه.
في هذا المقال، نقترب من أربع حكايات تشكل جزءًا من الذاكرة الشعبية الفلبينية:
أسطورة ماريا ماكّيلينغ، مخلوق الأسوانغ المخيف، قرية تؤمن بالسحرة المعالجين،
وقبيلة تعيش في أعماق الجبال وترفض أكل لحم الخنزير.

في جنوب لوزون، يقف جبل ماكّيلينغ كلوحة ضخمة رسمتها الطبيعة.
لكن الجبل بالنسبة لكثير من الفلبينيين ليس مجرد منظر جميل، بل موطن لروح أسطورية تُدعى
ماريا ماكّيلينغ. يصفونها بامرأة شديدة الجمال، ذات شعر طويل، ترتدي ثوبًا أبيض
يتحرك مع الريح، وتظهر أحيانًا للمزارعين والضائعين في الجبل لتساعدهم أو تحذرهم.
يقال إنها تحب من يحترم الغابة ويكره من يفسدها أو يسرق من خيراتها.
وعندما تحدث كوارث صغيرة، أو يضيع أحد في الغابة، يربط بعض السكان ذلك بغضب ماريا ماكّيلينغ.
ومع أن الزمن تغير، إلا أن كثيرين ما زالوا يشعرون بأن الجبل "مراقَب"؛
كأن هناك عينًا غير مرئية تحرس المكان ليلًا ونهارًا.

إذا سألت أي فلبيني عن أكثر كائن أسطوري يخيفه منذ الطفولة، فغالبًا سيقول:
الأسوانغ (Aswang).
هو مخلوق غامض في الفولكلور الفلبيني، يتغير شكله بحسب القصة والمنطقة:
امرأة تتحول ليلًا، أو طائر ضخم، أو كلب أسود، أو ظل يتحرك فوق الأسطح.
في بعض الروايات، الأسوانغ يتغذى على الجثث، وفي أخرى يخطف الأطفال،
وفي قصص كثيرة يُقال إنه يزور البيوت ليلًا ويصدر صوتًا غريبًا
يشبه "تك… تك… تك…"، وكلما اقترب من ضحيته خفّ الصوت بدل أن يعلو،
وهذا ما يجعل الفكرة أكثر رعبًا.
الغريب أن الخوف من الأسوانغ ما زال موجودًا حتى في المدن الحديثة؛
يضحك الناس عند ذكره، لكنهم يتركون ضوء الغرفة مشتعلًا ليلًا دون سبب واضح.

في بعض القرى البعيدة في وسط الفلبين، ما زال الناس يلجؤون إلى
الساحر المعالج قبل ذهابهم إلى المستشفى.
يطلقون عليه أسماء مختلفة، لكن الفكرة واحدة: شخص يملك قدرة على العلاج
باللمس والأعشاب والتمائم، ويُعتقد أن لديه اتصالًا بعالم غير مرئي.
عندما يمرض أحد سكان القرية، يُنادى على المعالج.
يضع يده على رأس المريض أو بطنه، يقرأ كلمات بلغة محلية قديمة،
ثم يستخدم زيت جوز الهند أو أوراق نباتات معينة لفرك الجسد أو لفّه.
بعض المرضى يشفون، وبعضهم لا، لكن إيمان الناس بقدرة هذا المعالج
يجعلهم يعودون إليه مرة بعد مرة، بل تأتيه زيارات أحيانًا من سكان مدن بعيدة بحثًا عن علاج
"لم تنجح فيه المستشفيات".

في أعماق غابات مينداناو، تعيش قبيلة صغيرة معزولة نسبيًا عن العالم الحديث،
تحافظ على تقاليدها الخاصة منذ أجيال. واحدة من أغرب عاداتهم أن
لحم الخنزير محرّم تمامًا في ثقافتهم،
ليس لسبب صحي أو ديني تقليدي، بل لأن أسلافهم اعتبروا الخنزير مخلوقًا ذا مكانة خاصة
يرافق الأرواح في رحلة ما بعد الموت.
يعتمد غذاؤهم على الأرز والذرة والفاكهة البرية وصيد الطيور وتربية الماعز.
يبنون بيوتهم من الخيزران على أعمدة مرتفعة فوق الأرض لحمايتها من الحيوانات والزواحف،
ولكي تبقى أكثر دفئًا في الليل. لا وجود حقيقي للكهرباء أو الإنترنت،
والهواتف المحمولة نادرة أو غير مستخدمة.
أطفال القبيلة يلعبون حفاة في الغابة،
ورجالها يصنعون أدوات الصيد يدويًا،
ونساؤها يروين الحكايات حول النار في المساء عن الأرواح والأسلاف والعهود القديمة.
إنها حياة تبدو بدائية بالمفهوم الحديث، لكنها بالنسبة لهم حياة كاملة
متصلة بالأرض والتاريخ والهوية.
من أسطورة ماريا ماكّيلينغ التي تحرس الجبل،
إلى خوف الناس من الأسوانغ،
إلى قرى ما زالت تؤمن بالسحرة المعالجين،
وإلى قبيلة تعيش في أعماق الجبال وترفض أكل الخنزير؛
نكتشف أن الفلبين ليست فقط شواطئ وجزر،
بل عالم واسع من الأساطير والمعتقدات والعادات التي تشكل جزءًا عميقًا من هوية هذا البلد.
هذه القصص ليست مجرد ترف ثقافي أو حكايات للتسلية،
بل هي ذاكرة جماعية تعيش في قلوب الناس،
وتؤثر في نظرتهم للحياة والموت، للخير والشر، وللعلاقة بينهم وبين الطبيعة.
ومن دون فهم هذه الحكايات، يصعب فهم الروح الحقيقية للفلبين.