
في الأحياء القديمة من مانيلا، قبل أن تُلمع المولات وقبل أن تتلوّن السماء بأضواء النيون،
كان هناك شارع ضيق يعيش على الضوضاء نهارًا ورائحة المطر ليلًا. وفي زاوية هذا الشارع،
دكان صغير من خشب وصفيح صدئ، ينام فيه طفل يُدعى هنري مع عائلته.
لم يكن للدكان باب حقيقي… مجرد لوح حديد يُسحب للأعلى. في النهار يرتفع كأنه يعلن بداية
معركة جديدة، وفي الليل ينخفض نصفه فقط لتنام العائلة خلف صناديق الأحذية.
كانت الأم ترتّب الأحذية القديمة والمجددة، تمسحها كأنها تمسح تعب الأيام. الأب يجلس أمام
الباب يراقب المارة بوجهٍ يحاول أن يبدو ثابتًا رغم أن جيبه شبه فارغ. أما هنري فكان
يلمع الأحذية ويحدّق في وجوه الزبائن، يعرف من النظرة من سيشتري ومن سيفاوض ومن سيدخل فقط
هربًا من المطر.
في يوم ممطر من أغسطس، هطلت السماء بقسوة. مياه سوداء مختلطة بالطين اقتحمت الدكان ورفعت
الأحذية المصفوفة بعناية. الأم تصرخ، الأب يرفع الصناديق، وهنري يحاول إنقاذ ما يستطيع،
لكن المطر كان أسرع. تلك الليلة خسروا نصف بضاعة الأسبوع.
جلس الأب في ركن الدكان ينظر للمياه، والأم تمسح الأرض وتخفي دموعها، بينما هنري أدرك
أن هذا المشهد تكرر أكثر مما يجب. أمسك حذاءً أسود وقال لنفسه:
“لو كان عندي محل أكبر… ما كان المطر يكسّرنا كل مرة.”

مرت السنوات وكبر هنري، وكبرت معه خبرته. وعندما بلغ العشرينات قرر خطوة جريئة:
فتح متجر باسمه. استأجر مكانًا أكبر قليلًا واشترى بضاعة بالدَّين ووضع لوحة كتب عليها:
Henry’s Shoe Store
لكن البداية كانت مريرة. التجار حاربوه بالتخفيضات، والناس لم تثق باسمه الجديد،
والمطر لم يرحمه. وفي ليلة هادئة، فتح دفتر الحسابات ووجد الأرقام الحمراء تملأ الصفحات،
لكن في الأسفل كتب:
“إذا ما استسلمت… بكبر.”
ومن هنا تغيّر كل شيء. بدأ يسمع الزبائن، يفهم حاجتهم، يبيع لهم الحذاء المناسب لحياتهم.
تحول المحل إلى مكان يحترم الناس قبل أن يبيع لهم. ومع الوقت، توسعت المتاجر وتحوّل
الحلم إلى سلسلة كبيرة.
في يوم ما، جلس هنري على كرسي خشبي وسأل نفسه:
“ليش ما يكون فيه مكان واحد يجتمع فيه كل شيء؟”
ضحك البعض وسخر البعض، لكنه لم يتراجع. بدأ أول مول، ثم الثاني ثم الثالث. ومع كل مول،
كان يسمع المطر على الزجاج السميك ويتذكر دكان طفولته.
عندما ترى في مانيلا لافتة ضخمة تلمع فوق مبنى:

SM Mall
تذكر الطفل الذي كان يجمع الأحذية من بين المياه…
ذلك الطفل أصبح الرجل الذي صنع الأماكن التي يمشي فيها الملايين.