خوسيه بروتاسيو ريزال ليس مجرد اسم في الكتب المدرسية؛ بل هو رمز وطني وصوت الحق في زمن
كان فيه الكلام جريمة. حياته، من طفولته حتى لحظة إعدامه، كانت سلسلة مترابطة من الوعي
والنضال والحب والخيبة والإيمان بوطن يستحق الحرية. هذه قصة كاملة لأهم أبطال الفلبين.

وُلد ريزال عام 1861 في لاغونا لأسرة متعلمة. كانت والدته تيودورا ألونسو أول معلمة في حياته
وأول من لاحظ ذكاءه المبكر. عندما أصيبت والدته بمرض في عينيها، تشكل لدى ريزال هدف
واضح: دراسة الطب ليعيد لأمه بصرها. هذا الحلم كان بداية رحلته نحو أوروبا.

درس في مانيلا ثم في مدريد وباريس وهايدلبرغ، وتعلم 22 لغة.
خلال ذلك، شاهد الظلم الواقع على شعبه بوضوح: الضرائب القاسية، فساد القساوسة،
واستغلال الدين لقمع الفلبينيين. هذا الوعي تحول لاحقًا إلى أعمال أدبية أشعلت ثورة فكرية.

في سن 21، سافر إلى أوروبا لدراسة الطب، خصوصًا جراحة العيون، حتى يعالج مرض والدته.
وفي ألمانيا كتب روايته الشهيرة “Noli Me Tangere”، ثم “El Filibusterismo”،
اللتين فضحتا الاستعمار الإسباني وكسرتا حاجز الخوف لدى الفلبينيين.
عاش ريزال قصة حب مع ليونور ريفيرا، التي ألهمته شخصية “ماريا كلارا”.
لاحقًا ارتبط بجوزفين براكن أثناء منفاه في دابيتان، وكانت ملاذه العاطفي في سنواته الأخيرة.
نُفي ريزال إلى دابيتان، لكنه استمر في خدمة الناس؛ بنى مدرسة، عالج المرضى،
وكتب رسائل سياسية أثارت قلق السلطات الإسبانية. خلال ذلك، كانت الثورة المسلحة بقيادة
أندريس بونيفاسيو بحاجة إليه، لكن ريزال رفض الانضمام إليها حتى لا تُسفك الدماء باسمه.
عندما وُضع على سفينة متجهة لكوبا، حاول قادة كاتيبونان تهريبه أثناء توقفها في مانيلا،
لكن ريزال رفض وقال عبارته الشهيرة: “لا أريد قطرة دم واحدة تُراق لأجلي.”
بعد أيام، تم إنزاله من السفينة واقتياده مكبلاً إلى السجن.
في صباح 30 ديسمبر 1896، تم إعدام ريزال رميًا بالرصاص في باجونباد (رزن بارك اليوم).
سقط جسده… لكن قامت أمة. يعتبر المؤرخون أن إعدامه كان الشرارة الكبرى التي دفعت
الفلبين نحو ثورة مفتوحة انتهت بالاستقلال.
من طفلٍ يتمنى شفاء أمه، إلى مفكر يكتب الحقيقة، إلى منفيّ يساعد الفقراء،
إلى رجل يواجه الموت بلا خوف… كان ريزال تجسيدًا لمعنى البطل المدني الذي يقاوم بالقلم.
تبقى قصته واحدة من أعظم قصص تاريخ الفلبين، لأنها ليست قصة موت… بل قصة ولادة وطن.